تشهد سوريا منذ اندلاع الأزمة فيها عام 2011 سلسلة من المحاولات الممنهجة لتفتيت النسيج الاجتماعي وتجريد السوريين من هويتهم الوطنية. هذه المحاولات لا تأتي من فراغ بل تستمد جذورها من بوتقة الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية التي تعصف بالبلاد. الطائفية، كأداة للتفرقة، تُستخدم بشكل مكثف لتقسيم المجتمع وبث الشقاق بين مكوناته، وبذلك تُضعف الولاء للهوية الوطنية الجامعة.
لا يقف الأمر عند حدود الطائفية، بل يمتد إلى تشويه التاريخ السوري، حيث تُعاد كتابة الأحداث السابقة بما يخدم أجندات الجماعات المسلحة والقوى الخارجية، مما يهدد بإعادة تشكيل الوعي الجمعي للشعب السوري بما ينسجم مع أهداف هذه الأطراف. أما تقويض المؤسسات، فهو يحدث سواء بفعل الحرب المباشرة أو عبر استهداف البنية التحتية والمؤسسات الثقافية والتعليمية التي تعتبر حجر الأساس في بناء الهوية الوطنية.
هذا النزاع ليس معركة على الأرض والموارد فحسب، بل هو معركة وجودية تتصل بمستقبل الهوية السورية. فالفصائل المسلحة والقوى الخارجية التي تدعمها تسعى لإعادة تشكيل هذه الهوية بما يتوافق مع أجنداتها، سواء كانت تلك الأجندات تسعى لتأسيس دولة ذات طابع طائفي أو إضعاف الدولة السورية لمنع قيامها مجددًا كلاعب قوي في المنطقة.
لمواجهة هذه التحديات، يتطلب الأمر جهدًا وطنيًا موحدًا يعمل على إعادة بناء الهوية السورية بعيدًا عن الطائفية والانقسامات، وصولاً إلى ترسيخ مفاهيم المواطنة والتعددية. ينبغي أيضًا الحفاظ على الذاكرة الوطنية وحماية التراث الثقافي والتاريخي من التشويه، وإعادة بناء المؤسسات التي تعتبر العمود الفقري لأي دولة. فقط من خلال تعزيز الهوية الوطنية واحترام التنوع داخل المجتمع السوري، يمكن التغلب على المحاولات الرامية إلى تفكيك النسيج الوطن