تشهد الساحة السورية تحولات جذرية تلقي بظلالها على النسيج الاجتماعي والسياسي في جنوب البلاد، حيث تتداخل الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية في تحديد ملامح المشهد المعقد. تتسم المعطيات الراهنة بمزيد من التعقيد بفعل تنامي التوترات والاشتباكات، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على الأمن والاستقرار في المنطقة، ويحيط بمصير المدنيين بالغموض والقلق.
يعكس التصعيد الأخير في جنوب سوريا تشابك العوامل الجيوسياسية والاستراتيجية، حيث تحاول القوى الفاعلة تعزيز نفوذها وحماية مصالحها في ظل الفوضى الراهنة. تبرز روسيا كلاعب رئيسي يسعى لتثبيت أقدامه بالتعاون مع النظام السوري، فيما تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون موازنة النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة. ولا يمكن إغفال دور الميليشيات المحلية والفصائل المسلحة التي تجد في الفراغ الأمني فرصة لتعزيز سيطرتها على الأرض.
تتحمل القوى الدولية والإقليمية مسؤولية كبيرة في تفاقم الأوضاع الإنسانية نتيجة الاستقطاب الشديد وتعدد الأجندات، حيث يُصارع المدنيون ظروفاً صعبة ويواجهون مخاطر جمة، من تهجير ونزوح وانعدام للأمن الغذائي والصحي. يُعد الوضع في جنوب سوريا مثالاً صارخاً على تداعيات الصراع الممتد والذي يزداد تأزماً مع مرور كل يوم.
إن الحل في سوريا لن يكون عسكرياً بقدر ما هو سياسي واجتماعي، يتطلب توافقاً دولياً وإقليمياً يسمح بتحقيق حل سياسي يحترم تطلعات الشعب السوري ويضمن حقوقه. في هذا السياق، يجب على المجتمع الدولي تكثيف الجهود للوصول إلى حل ينهي المعاناة ويمهد الطريق نحو إعادة إعمار مستقرة وشاملة تعيد الأمل للملايين من السوريين الذين يتوقون للسلام والعيش الكريم.