تعيش سوريا منعطفاً تاريخياً معقداً منذ اندلاع الثورة في مارس 2011، حيث شهدت البلاد صراعاً دموياً جسد تجليات الصراع على السلطة والهوية. انبثقت هذه الأزمة من تراكمات ماضية، حيث حكم حزب البعث بقيادة آل الأسد لعقود، متبنياً نهجاً قومياً عربياً يُفترض أنه تجاوز الانتماءات الضيقة. غير أن الواقع السياسي والميداني أظهر أن النظام اعتمد بشكلٍ واضح على الولاءات الطائفية والعرقية، مما أثار مخاوف الأقليات من توحش الأكثرية في حال زوال النظام.
يروج النظام السوري لفكرة أنه الحامي للأقليات، وأن أي بديل سيؤدي إلى سيناريوهات مشابهة للعراق أو ليبيا، حيث المكانة المتقدمة للأكثرية السنية. وعلى الرغم من أن التاريخ الإسلامي لم يخلُ من فترات توتر طائفي، إلا أن العهد الأموي والعباسي والعثماني، على سبيل المثال، لم يشهدوا توحشاً للأكثرية السنية في الحكم، بقدر ما شهدوا صراعات على السلطة تبدلت خلالها الأدوار بين الأطراف المختلفة.
تنبع خطورة الرهان على الأقليات في سياق النظام السوري من مغبة تعزيز الانقسامات الاجتماعية والطائفية، التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الاستقطاب والعنف. فالنظام، الذي يتشكل من قيادات أمنية وعسكرية من الطائفة العلوية، لم يعمل بجدية على بناء دولة مواطنة تتجاوز الانتماءات الفرعية، بل استغل هذه الانتماءات لترسيخ حكمه.
مع الاعتراف بالتحديات الجسيمة التي تواجه الأكثرية السنية في حالة الانتقال الديمقراطي، يتعين على المجتمع الدولي والفاعلين الإقليميين دعم بناء مؤسسات شاملة ومحايدة تضمن حقوق جميع المكونات السورية. إن التحدي الحقيقي يكمن في ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة وحقوق الإنسان بعيداً عن الولاءات الطائفية والعرقية، والتي بدونها ستظل البلاد تراوح مكانها في دوامة ال