تشهد سوريا مفترق طرق حاسم في مسيرتها عبر السنوات العجاف التي خيمت على سمائها، حيث تتجلى رؤيتان متباينتان تجاه مستقبل هذه الدولة العربية. فمن جهة، تبرز تلك الأصوات التي تحث على إثارة العقبات السياسية والطائفية، مما قد يعيق مسار الشفاء الوطني ويجعل من الصعب تحقيق الاستقرار المنشود. ومن جهة أخرى، تلوح في الأفق تلك الآراء المتفائلة التي تؤكد أن سوريا، رغم جراحها، تخطو على درب التعافي وأنها قادرة على استعادة مكانتها كدولة ذات سيادة مكتملة الأركان.
يتباين تأويل الواقع السوري بين المراقبين والمحللين، فالبعض يرصد بحذر التأثيرات الخارجية التي تحاول تغذية الانقسام وتأجيج الصراعات الداخلية، سعياً لإبقاء سوريا في دائرة الضعف والتبعية. وهذا النهج، الذي يمكن وصفه بـ”التدخل الخبيث”، ينطوي على مخاطر جمة تهدد بقاء الدولة ووحدتها الوطنية، مما يضع أمام السوريين تحديات جسيمة في مواجهة التدخلات الأجنبية والأطماع المختلفة.
في المقابل، تظل هناك قناعة لدى شريحة واسعة من السوريين والمتابعين الإقليميين والدوليين بأن البلاد تملك القدرة على تجاوز الأزمات المتلاحقة. فالمبادرات الداخلية للمصالحة وإعادة البناء تنمو وتتطور رغم الصعوبات، وهناك إشارات متزايدة على إمكانية تشكيل حكومة تعكس التنوع السوري وتسعى لتحقيق الاستقرار والتنمية. ويمكن اعتبار هذا التوجه بمثابة “التدخل الحميد” الذي ينطوي على بذل جهود مضنية للتئام الجراح وإعادة الأمل للشعب السوري.
من الضروري تسليط الضوء على أن مسيرة التعافي السورية لا تخلو من المعوقات، إذ يتعين على الحكومة والفاعلين السياسيين مواجهة الفساد المستشري وإعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة، بالإضافة إلى تحقيق المصالحة الوطنية وضمان تحقيق العدالة لضحايا الحرب. ولن يكون ذلك ممكناً بدون دعم محلي ودولي حقيقي يحترم سيادة سوريا ويؤمن بحق شعبها في تقرير مصيره بعيداً عن أية تدخلات ذات أجندات خفية.
وفي ظل هذه التحديات، يبرز السؤال المحوري: هل يمكن لسوريا التغلب على الصراعات الداخلية والضغوط الخارجية لتنهض من جديد؟ الإجابة على هذا السؤال، رغم كل التعقيدات، تكمن في إرادة الشعب السوري وقدرته على توحيد الصفوف وبناء مستقبل يحفظ للأجيال القادمة حقها في العيش بكرامة وسلام.


